“يجب أن تحقق أشياء كبيرة وعظيمة في الحياة! يجب أن “تضع بصمتك” وتؤثر في العالم! إذا أردت أن تكون “شيئا” فعليك أن تفعل كذا وكذا! إذا أردت أن تكون مهما … فيجب أن تحقق كيت وكيت .. وإلا!” ….كثيرا ما نسمع هذا الكلام! وكثيرا ما نقوله لأبنائنا! فهل حقًا التأثير في العالم مطلوب من كل الناس؟
هل مطلوب من كل الناس التأثير في العالم؟
هي توجيهات لا بأس بها .. إن تنولت بالقدر الطبيعي والحكيم. ولكن أن تكون سببا في فصل الإنسان عن هويته وحقيقته… فهنا المشكلة! أن تجعل الطفل يحس دائما أنه لا قيمة له (بذاته) لمجرد أنه إنسان فيه روح أو لمجرد أنه مخلوق لله، وقعت عليه عين الله فأخرجته من ظلمات العدم إلى نور الوجود! فههنا الإشكال.
يعني هذا يجعل الإنسان غير محبوب لقيمته الذاتية أو لقرابته منا .. كونه ابنا أو بنتا أو أخا أو أختا .. أو صديقا .. أو غير ذلك.
هذا لا يكفي.
وهو لا يُحب ولا يُحترم إلا بشروط … أن يكون أو يفعل أو يحقق كذا وكذا! وهذا ما يجعله أيضا إنسانا هشا … إذا ما عاكسته الأمور أو انتهى دوره أو لم يسمع الإقرار أو المديح المستمر من الآخرين .. بات معرض للانهيار والاكتئاب والإحساس بانعدام القيمة الذاتية. فلا يعود يكفيه أنه حي موجود. وتصبح الوحدة بالنسبة له جحيما لا يطاق .. لأنه لا يستند إلى أمر باطني أو مساحة داخلية قلبية يتكيء عليها فيستطيع فقط أن يمد رجليه! كلا لا يجد مكانا لا لانتصاب قامته ولا لمد رجليه. فقط أن يتكور على نفسه جالسا في ضيق شديد … لا يكفي لتنفس عميق طبيعي.
وعلى كل حال .. أكثر الناس لا ينفعهم أن يتركوا بصمة كبيرة .. ولا أن يؤثروا في العالم. لأنهم إذا زادت لديهم الحماسة لذلك … انطلقوا فأفسدوا العالم وخربوا وآذوا وأهلكوا الحرث والنسل.
فمعظم شرور العالم جاءت عبر عاميّ أو جاهل أو نصف متعلم أو ربع مثقف.. كثير الحماسة عظيم الطموح.
وانظروا إلى عتاة ومجرمي ودكتاتوريي العالم … تجدوهم بهذا الوصف .. عوام جهال أنصاف متعلمين أعشار مثقفين.. متحمسون طموحون جدا! الأفضل (لأكثر) الخلق أن يكون تأثيرهم محدودا جدا. لأنهم لا يملكون مقومات التأثير النافع الكبير … ولا يتمتعون بالفهم الكافي الذي يجعلهم مسددين في مسألة كثرة الأفعال (المؤثرة في العالم).
أكثر الناس … (الله يخلف عليهم) إن هم استطاعوا أن يتدربوا على السكون والهدوء واختصار الكلام … وكف اذاهم عن الآخرين … ابتداء بأقرب الناس منهم.
إذا سألتني عن غاية وهدف جيد يحسن بنا أن ندرب أكثر الناس عليه … وأن يعملوا هم على تحقيقه .. فهو هذا.
إذا نجحوا فيه … فكثر الله خيرهم.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال (لعامة) الناس:
[يا أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام … تدخلوا الجنة بسلام].
والسلام
بقلم: يسار الحباشنة