تحيل “حبوب دردك” على مجموعة من العقاقير الطبية أو الأعشاب -وربما حتى خليط بينهما -التي يراد من وراء استعمالها زيادة الوزن بسرعة، وخصوصا تكبير المؤخرة والحصول على قوام ممتلئ على مستوى الفخذين والأرداف. سنركز فيما يخصنا على الأدوية الأكثر شهرة في هذا المجال المعروفة بأدوية الكورتيزون (corticosteroids) لنبين الانحراف المثير للتأمل الحاصل في دواعي استعمالها وكذا المخاطر الجمة التي يمكن أن تتعرض لها السيدات (…) في حالة الإدمان على استعمالها أو حتى محاولة الإقلاع عنها دون مراقبة طبية دقيقة، خصوصا أن هذه الأدوية متاحة للبيع الحر في الصيدليات دون الحاجة إلى وصفة طبية إجبارية كما هو الحال بالنسبة لعقاقير الاضطرابات النفسية مثلا، رغم أن أضرار “حبوب دردك” قد تتجاوز أضرار هذه الأخيرة.

“حبوب دردك” -لمن لا يعرف المصطلح – تحيل على تغير حالة بعض الأشخاص من حالة الوهن والهزال الشديدين إلى حالة القوة وازدياد الوزن لدرجة أن “المتعاطي” لها يصبح “يدردك” مثل الحصان (رغم أن البقرة هو رمز معشر متعاطيات تلك الحبوب:)) بمعنى يصول ويجول كيفما وحيثما شاء.

وقد يرى بعض المتاجرين في معاناة المرضى إضافة كوكتيل من الأعشاب إلى المستحضر الصيدلاني لتحقيق أقصى قدر من الفعالية وفي أقل وقت ممكن. فماهي إذن حقيقة هذه المستحضرات، ولماذا يتم العبث بدواعي استعمالها الحقيقية، وما هي المخاطر الصحية التي قد تصيب المدمنين على استعمالها في طريق الحصول على قوام الأبقار أو لأهداف أخرى أكثر منطقية سنتناولها بشيء من التفصيل.

المحتويات

حقيقة حبوب دردك

ما يعرف بحبوب دردك هي في الحقيقة أدوية صيدلانية متعددة – وليست دواء واحدا – يجمع بينها كونها مشتقة من مادة طبيعية توجد في الجسم وهي عبارة عن هرمون تفرزه غدتان صغيرتان تتواجدان فوق الكلي تعرفان بالغدتين الكظريتين. أهمية هذا الهرمون المعروف بالكورتيزول تكمن في كونه يقوم بتنظيم اشتغال عدد من آليات الجسم الأساسية، وأهمها:

  • رفع مستوى السكر في الدم من خلال عملية تخليق الجلوكوز على مستوى الكبد خاصة والكلي بصورة أقل.
  • تنظيم عمل جهاز المناعة خصوصا من ناحية تخفيض حدة استجابته وعمله.
  • المساعدة في عملية هدم الدهون والبروتينات والنشويات.
  • تخفيض امتصاص الكالسيوم على مستوى الأمعاء وتسريع طرحه في البول والعمل على تقليص اشتغال الخلايا المجددة للعظام.
  • الرفع من مستويات الصوديوم في الدم (الملح) وتخفيض مستويات البوتاسيوم مع تشجيع عملية التصفية في الكلي وطرح البول.
  • الرفع من جاهزية الألياف العضلية للقلب والشرايين للتقلص، وبالتالي فهو يساهم في الرفع من الضغط الدموي إذا احتاجت الظروف ذلك.
  • التقليص من حدة الالتهابات أيا كان نوعها عبر التحكم في عمل الجهاز المناعي.
  • الكورتيزول هي أيضا هرمون التحفز والضغط النفسي بامتياز… وبالتالي فتأثيرها إيجابي في حالات الاحساس بالخطر… لكن الارتفاع المزمن في معدلاتها يؤدي إلى الاجهاد والتوتر النفسي مع إمكانية ظهور بعض من العواقب الذي سنتطرق إليها أسفله.

تلك بعض من الوظائف المنوطة بهرمون الكورتيزول الذي يتميز أيضا بخاصية فريدة: كون أقصى افرازه يتم بين السادسة والثامنة صباحا، ليبدأ في الانخفاض تدريجيا حتى ينعدم خلال منتصف الليل، وهذا أمر يأخذ بعين الاعتبار خلال وصف أدوية الكورتيزون.

تنفيذ الوظائف المخولة للكورتيزول يخضع لمراقبة دقيقة من طرف مراكز عليا في الدماغ كالغدة النخامية وما تحت الوطاء، حتى لا تتجاوز معدلات الهرمون نسبها الطبيعية في الدم وبالتالي يتعاظم تأثيره على الجسم، وهذا ما يحدث بالضبط في حالات الضغط النفسي المزمن وعند تناول الأدوية المشتقة من هرمون الكورتيزول (أو الكورتيزون = الشقيق الأكبر) دون استشارة أو مراقبة طبية دقيقة.

طبيا، تعتبر أدوية الكورتيزون من أكثر الأدوية استعمالا، ويرجع ذلك إلى تعدد دواعي استعمالها انطلاقا من علاج أمراض الحساسية والربو، مرورا ببعض أمراض الدم والسرطان، وصولا إلى أمراض البرودة والروماتيزم المتنوعة، إلخ… ويتم تقسيم أدوية الكورتيكويد عموما على أساس قوة ومدة مفعولها، حيث نميز بين:

  • الأدوية ذات المفعول القصير المدى مثل البريدنيزون والبريدنيزولون = وهي الأكثر استعمالا.
  • الأدوية ذات المفعول المتوسط المدى.
  • الأدوية ذات المفعول الطويل المدى كالبيتاميثازون والديكساميثازون = وهذه الأخيرة هي أكثر ما ينطبق عليها وصف “حبوب دردك”… والدليل أنكم لا بد وأنكم سمعتم يوما ما بحبوب (ديكادرون =DECADRON) وهي أحد الأسماء التجارية لدواء الديكساميثازون.

مخاطر أدوية الكورتيزون

بصورة عامة، فأغلب الأعراض الجانبية المرتبطة بأدوية الكورتيزون لا تظهر إلا في حالة الاستعمال المستمر لمدة تتجاوز 10 أيام وبجرعات كبيرة، وهو ما ينطبق على النساء (الرجال؟) اللواتي يستعملن حبوب دردك لزيادة الوزن بسرعة، وإليكم أهم المخاطر الصحية التي قد تظهر بسبب تناول حبوب الكورتيكويد دون مراقبة طبية:

نبدأ بمربط الفرس وهي أن استهلاك أدوية الكورتيكويد لمدة معينة يؤدي فعلا إلى الزيادة في الوزن لعدة اعتبارات من بينها زيادة الشهية للأكل، وخصوصا – وهذا ما يدعو إلى التأمل لأننا أصبحنا نبحث عن الإصابة الأكيدة بأمراض حتى نحقق زيادة الوزن بسرعة – تراكم كمية السوائل المكتنزة في الجسم لأن هذه الأدوية تزيد من امتصاص الجسم للصوديوم (الملح)، وحيثما وجود الملح تواجدت السوائل وعلى رأسها الماء. من جهة ثالثة فأدوية الكورتيكويد تزيد من تغير تموقع الدهون في الجسم حيث تتراكم خصوصا على مستوى الوجه والعنق والجذع – وليس على مستوى الأرداف والفخذين كما يتمنى البعض.

الأمور لا تنتهي عند هذا الحد، لأن حبوب دردك قد تؤدي -إذا أردت أن تصبح “من المدردكين” أو في حالة الأمراض التي تحتاج إلى علاج طويل الأمد – إلى الإصابة بإحدى أو بعض الأعراض التالية:

  • ارتفاع الضغط الدموي بسبب تراكم الملح وتقلص الشرايين.
  • السكري بسبب عدم قدرة الأنسولين على خفض نسبة السكر في الدم بفعالية.
  • انخفاض سماكة الجلد وترققه وفقدانه للمرونة.
  • تآكل الألياف العضلية وبالتالي هناك خطر الإصابة بالوهن العضلي.
  • التأخر في النمو عند الأطفال والمراهقين.
  • هشاشة العظام بسبب انخفاض منسوب الكالسيوم الممتص وارتفاع طرحه في البول، مع احتمال حدوث كسور تلقائية أو عند أدنى حادث.
  • التهاب المعدة المؤدي إلى القرحة أو التهاب البنكرياس.
  • فرط الدهون في الدم.
  • نمو الشعر في أماكن لا ينمو فيها بكثرة عند النساء.
  • اضطرابات الدورة الشهرية بحيث تأتي مرتين في الشهر أو بعد طول انتظار.
  • اضطرابات نفسية كالهيجان أو الابتهاج الشديد، أو عكس ذلك كالاكتئاب أو مشاكل في النوم.
  • المياه البيضاء المعروفة بالجلالة، وما هذا إلا غيظ من فيض.

مشاكل التوقف عن استهلاك أدوية الكورتيزون

قد يقول قائل، ولم لا أستعملها لمدة معينة (متعاطي هذه الحبوب يستعملونها لسنوات على وجه العموم) لأتوقف عن استعمالها قبل ظهور هذه المشاكل الصحية العويصة… والجواب أنه بعد فترة استهلاك لأدوية الكورتيكويد تتجاوز 15 يوما كمعدل، يبدأ الجسم في الاعتياد عليها وتصبح مهمة له في تسيير أموره اليومية وآليات عمل العديد من أنشطة الجسم. أما التوقف المفاجئ عن تناولها فقد يتسبب في أضرار قد تكون أخطر من الأمراض التي تعالجها تماما كما يحدث عند الإدمان على المخدرات أو تناول بعض الأدوية الموجهة للاضطرابات النفسية، وهذا ما يعرف بظاهرة الارتداد (Rebond effet) أو الأعراض الانسحابية، حيث تظهر على المريض إحدى أو بعض العلامات التالية: تعب وإجهاد، آلام في العضلات وفي المفاصل، غثيان، صداع الرأس أو دوخة، فقدان الشهية، نقص في الوزن، اكتئاب حاد.

ربما يكون التوقف عن تعاطي أدوية الكورتيزون أسهل نسبيا عند أولئك الذين يستهلكونها لغرض الزيادة في الوزن، لكن المشكلة أكبر عند المرضى الذين يحتاجون فعلا لهذه الأدوية وهم في ذلك بين المطرقة والسندان، بحيث يجب الاستمرار في تناول الدواء لتلقي العلاج مع خفض الجرعات تدريجيا وببطء شديد حتى يتم الحد من الأعراض الجانبية وتفادي ظهور الأعراض الانسحابية، مع الاستعانة ببعض الأدوية لمساعدة الخاصة بالعظام مثلا أو القلب أو الاضطراب النفسي وهذه العملية بالطبع لا غنى فيها عن الطبيب الذي يستطيع تحديد الإجراءات المناسبة وكيفية تطبيقها.

خلاصة القول: أدوية الكورتيزون أدوية ممتازة وتساعد في معالجة العديد من الأمراض التي كان ميؤوسا منها لكنها في نفس الوقت أدوية تؤثر في الجسم كثيرا ولا يجب استسهال استهلاكها دون مراقبة من الطبيب، خصوصا إذا كانت مدة العلاج تتجاوز 10 أيام. كما أنصح اللواتي يفكرن في استعمال “حبوب دردك” بالابتعاد عن هذه الأدوية وعدم الانصياع “لنصائح” عامة الناس وما يوجد على النت دون استشارة أخصائيي الصحة، لأن ذلك قد يؤدي إلى تضرر صحتكن وربما هلاككن لا قدر الله.