تصنّف آلام الدورة الشهرية أو الحيض كأكثر أنواع الآلام المزمنة شدة عند النساء التي تخص جهازهن التناسلي؛ وقد تصبح كابوسا متواترا عند بعضهن بسبب حدة الآلام ومجموعة الأعراض التي تصاحبها، دون أن ننسى الأبعاد النفسية والاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بها: عندما نرى الآثار التي تحدثها في حياة النساء، وكذا بسبب النسب المرتفعة لتغيب التلميذات والطالبات عن مدارسهن، والموظفات أو العاملات عن مقار أعمالهن، وأشياء أخرى.
المحتويات
أنواع آلام الدورة الشهرية
آلام الحيض قد تكون أولية أو ثانوية / أساسية أو عضوية:
- الآلام الأولية – الأكثر انتشارا بين النساء – هي الآلام التي تظهر في أثناء فترة المراهقة، خلال الأشهر أو السنوات القليلة التي تلي بداية الطمث. أما الثانوية، فهي تلك التي تظهر أو تتفاقم بعيدا عن فترة المراهقة – عموما بعد سن الثلاثين.
- من ناحية أخرى، إذا لم يكن هناك سبب عضوي لهذه الآلام، فإنها تعتبر أساسية، بخلاف آلام الدورة الشهرية العضوية الناتجة عن أمراض معروفة نتناولها خلال هذا الموضوع.
في الواقع المعاش، فإن أغلب حالات آلام الحيض الأولية هي أساسية بامتياز، أما الآلام الثانوية فغالبا ما تكون عضوية. وعلى هذا الأساس، سنتطرق بالتفصيل لآلام الحيض الأولية/ الأساسية؛ ومن تم نعرج على خصوصيات الآلام الثانوية / العضوية، التي تحتاج إلى استشارة طبية قصد استكشاف مدلولاتها وأسبابها.
هل من مفر؟
آلام الدورة الشهرية الأولية لا تخص جميع النساء رغم شيوعها (50 في المئة)، كما أنها ليست ثابتة أو مستمرة في بداية (أو قبل نهاية) كل دورة شهرية. من جهة أخرى، تبين الدراسات أن من أهم عوامل ظهور هذه الآلام وحدتها:
- العامل الوراثي.
- ظهور الطمث قبل سن الثالثة عشر.
بالإضافة إلى عوامل أقل أهمية مثل:
- القلق النفسي.
- التدخين.
- عوامل اقتصادية وثقافية.
خلاف ذلك، فممارسة الرياضة وتناول الفواكه والأسماك والبيض بصفة منتظمة تساعد على التخفيف من حدة الآلام وما يرافقها من علامات أخرى.
الدراسات أثبتت أيضا أن الآلام غالبا ما تختفي بعد أول ولادة، سواء كانت طبيعية أو قيصرية، ولا يكفي أن تكون المرأة قد حملت وسقط حملها خلال الستة أشهر الأولى.
خصائص آلام الدورة الشهرية
تبدأ الآلام مع بداية الطمث أو قبله بأيام قليلة على شكل آلام على مستوى أسفل البطن والظهر وأحيانا الفخذين، وشدتها تختلف حسب عدة عوامل ذكرنا بعضها أعلاه.
يمكن أن تكون هذه الآلام معزولة أو مقترنة بعلامات أخرى، مثل:
- الإعياء.
- الصداع.
- الغثيان وربما التقيؤ.
- الاسهال.
- الضغط والتوتر النفسيين.
- الدوخة أو السخفة.
من أين تأتي الآلام الأولية؟
يمكننا التمييز بين أربع آليات متداخلة ومتسلسلة تتسبب في ظهور هذه الآلام وفي حدتها، وهي:
الانقباض أو التقلص المفرط لعضلة الرحم، مما يؤدي جزئيا إلى انخفاض صبيب الدم في الأوعية الدموية الخاصة بالرحم نتيجة تقلص قطرها بسبب انضغاطها؛ مما يتسبب في انخفاض في تغذية الرحم بالأوكسجين والطاقة. وبالتالي يحدث نوع من المعاناة يترجم على شكل إحساسات مؤلمة تقوم النهايات العصبية الحسية بنقلها إلى المعنية بالأمر.
إذا، فالأصل في آلام الدورة الشهرية هو الانقباض المفرط لعضلة الرحم. هذا الأخير يحدث بدوره بسبب ارتفاع مهم في افراز مواد أو هرمونات معينة، أهمها على الاطلاق ما يعرف بالبروستاغلاندينات المسؤولة لوحدها عن 80 إلى 90 في المئة من حالات آلام الحيض.
لكن “المصائب لا تأتي منفردة”، فهذه المواد تتسبب أيضا في الرفع من مستوى تحسس النهايات العصبية للألم، وازدياد تقلص الأوعية الدموية الحاصل أصلا.
هناك هرمونات أخرى أقل تأثيرا كهرمون الفازوبريسين (الهرمون المضاد لإدرار البول) الذي يفرزه الدماغ ومواد ذهنية تدعى الليوكوترين؛ لكنها على الأقل قد تفسر العشر إلى العشرين بالمئة من حالات آلام الحيض المتبقية.
كيف يمكن التمييز بين آلام الدورة الشهرية الأساسية والعضوية
فيما يلي إليكم ملخص بعض العلامات المميزة لكل نوع من آلام الدورة الشهرية، مع الإشارة أنها فقط علامات موجهة وليست مؤكدة للحالة، إذ على أساسها يمكن للمرأة أن تقرر اللجوء إلى الطبيب من عدمه – خصوصا إذا كانت هذه العلامات مجتمعة.
آلام أساسية
-
– قبل سن الخامسة والعشرين
-
قبل خروج دم الحيض
-
لا تتجاوز مدتها 24 إلى 36 ساعة
-
تستجيب بسرعة للأدوية
-
تختفي بعد أول ولادة
-
لا وجود لعلامات أخرى مرتبطة بالجهاز التناسلي الأنثوي
آلام عضوية
- بعد سن الخامسة والعشرين
- ثاني أو ثالث يوم من الحيض
- تتجاوز اليومين
- لا تتجاوب جيدا مع الأدوية
- لا تختفي نهائيا بعد أول ولادة
- آلام الجماع أو آلام أسفل البطن خارج فترة الحيض
أسباب آلام الدورة الشهرية العضوية
إذا كانت هناك شكوك كبيرة حول طبيعة آلام الحيض على ضوء ما قيل أعلاه، فعلى المرأة استشارة الطبيب قصد إجراء الفحوصات السريرية والمخبرية، حتى يتم التأكد من طبيعة هذه الآلام وأسبابها.
حسب درجة شيوعها، إليكم أهم الأمراض المتسببة في ظهور الآلام العضوية:
- الانتباذ البطاني الرحمي (Endometriosis): ويتعلق الأمر بوجود أنسجة شبيهة ببطانة الرحم خارج هذه الأخيرة؛ مثلا على مستوى عضلة الرحم (Adenomyosis)، جانبي تجويف الرحم وقناتي فالوب والمبيضين وعنق الرحم، وربما أبعد من ذلك على مستوى الجهاز الهضمي. هذه الأنسجة المهاجرة تسلك سلوك الغشاء المخاطي المبطن للرحم، وبالتالي فهي تنتفخ أيضا، لكن لا تجد مسلكا إلى الخارج مما يؤدي إلى التصاقها بشدة داخل الحوض، وامتلائها بالدم وخاصة بالمبيض مما يتسبب في ظهور آلام دورية قد تصبح مزمنة – لأن المرض يتطور بمرور الوقت – وقد يعاود الظهور بعد العلاج القصير، لهذا تجب معالجته بطريقة فعالة وفي الوقت المناسب.
- اللولب الرحمي، إذا لم يتم تركيبه أو وضعه بشكل مناسب، أو تحرك من مكانه.
- تضيق أو انسداد عنق الرحم بعد إجراء جراحة على هذا المستوى، أو انتفاخ قنوات فالوب بعد إجراء عملية ربط للبوق (العكيد ديال الكرون).
- الالتهابات التناسلية الجرثومية الحادة وخاصة المزمنة؛
- هناك أنواع من الأورام الليفية (الكورة ديال الوالدة) قد تتسبب أيضا في ظهور هكذا آلام.
- هناك أيضا بعض التشوهات الخلقية النادرة التي قد تتسبب للبنات في ظهور آلام حادة خلال فترة الحيض، ونخص بالذكر ما يعرف بنصف المهبل الأعمى الذي غالبا ما يدخل في إطار تشوهات تناسلية أكبر.
- أخيرا، يمكننا أيضا ذكر الانتفاخ المزمن للمبيضين، خصوصا خلال النصف الثاني من الدورة الشهرية.
علاج آلام الدورة الشهرية الأساسية
هناك مجموعة متنوعة من الأدوية الكيميائية التي تستعمل للتخفيف من حدة وتواتر آلام الحيض سواء كانت هذه الآلام أساسية أو عضوية، رغم أنه في هذه الحالة الأخيرة، تكون الاستجابة دون المطلوب، بالإضافة إلى حاجة المريض إلى علاج السبب العضوي. نشير أيضا إلى أن هذه الأدوية قد تستعمل منفردة أو مجتمعة حسب الحالة:
- هناك أولا الأدوية المضادة للألم، أو التي تقوم بالتخفيف من انقباض عضلة الرحم؛ وهي أدوية لا تخص فقط الرحم بل مجموعة كبيرة من الأعضاء. ونخص بالذكر الأدوية التي تحوي مادة الباراسيتامول أو أدوية الأمعاء مثل SPASFON* VISCERALGINE*، SPASMOPRIV.
- يمكننا أيضا وصف نوع من الأدوية المشتقة من هرمونات البروجيستيرون أو الجسفرون: ونفضل استعمالها عند صغيرات السن والمراهقات وغير المتزوجات. وهي نوعان أساسيان حسب مدة استعمالهما التي قد تتراوح بين 10 إلى 20 يوما من كل دورة شهرية؛ كما يمكننا وصفها لفترة قصيرة تسبق الموعد الافتراضي للحيض – حسب كل حالة. .
- استعمال حبوب منع الحمل هي أيضا إحدى الاستراتيجيات المستخدمة للتحكم في آلام الدورة الشهرية. ونخص بالذكر الأدوية التي تقوم بعرقلة عملية الإباضة وهي من النوع التي تحوي كمية لا تقل عن 15 ميكروغرام من الاستروجينات، أو أكثر في بعض الحالات. لكن السؤال المطروح هو هل تقبل غير المتزوجات بتناول مثل هذه الأدوية مدة 21 يوما من كل شهر؟
- أشهر الأدوية المستعملة في علاج آلام الحيض هي ما يعرف بمضادات البروستاغلاندينات، وهي نفسها المعروفة شعبيا بأدوية (البرودة). وكما يوحي به اسمها، فإنها تقوم بكبح إفراز البروستاغلاندينات – المسؤولة الأولى (وليست الأخيرة). كما أن تناولها يكون وجيزا أي فقط في أثناء فترة الآلام. لكن لا يمكن الحكم على مفعولها إلا بعد مرور 4 أشهر على الأقل، كما أن استعمال هكذا أدوية قد يفرز بعض الآثار الجانبية خصوصا على مستوى الجهاز الهضمي والمناعي وحتى التنفسي، زيادة على أن أغلبها لا يوصف للفتيات أقل من 15 سنة.
إذا، أغلب حالات آلام الدورة الشهرية تستجيب لأحد أنواع العلاجات السالفة الذكر، سواء كانت منفردة أو مجتمعة، وفق استراتيجية علاجية معينة تتداخل فيها العديد من العوامل التي تخص المريض والمرض والطبيب وأيضا الدواء.
لكن، ودائما في إطار آلام العادة الشهرية غير العضوية، تبقى هناك حالات استثنائية لا تستجيب بالمرة للعلاج الاعتيادي، والتي تحتاج إلى رعاية خاصة تستعمل فيها أدوية وعلاجات خاصة قد تصل إلى الجراحة.