خلال الفصول الباردة من السنة تنتشر بكثرة الأمراض المرتبطة بالجهاز التنفسي، وبالتالي تتزايد الطلبات على علاج نزلات البرد، غالبا دون استشارة الطبيب ودون أدنى معرفة مسبقة بنوع “نزلة البرد” التي يعاني منها المريض.

بالفعل ف”نزلة البرد” ليست مرضا واحد له علاج واحد، بل إن كل مرض يدخل في مفهوم “البرد” ليس له علاج واحد وموحد، إذ يرتبط الأمر بعدة عوامل نذكر منها حدة المرض، وسن المريض، وحالته الصحية العامة، إلخ.

إجمالا، يدخل في مفهوم نزلات البرد خمسة أمراض تشترك وتختلف في العديد من الأعراض والعلامات، كما أن علاجها قد يختلف جذريا من الراحة فقط إلى وجوب الاستشفاء.

المحتويات

الزكام: أول الغيث

يعرف الزكام أيضا بالرشح أو التهاب البلعوم الأنفي؛ وهو التهاب فيروسي حاد شديد العدوى يصيب الجهاز التنفسي العلوي، خاصة الأنف والبلعوم. تشمل الأعراض المرتبطة بها الحمى والسعال الجاف وسيلان أو انسداد الأنف والتهاب الحلق والعطس مع احساس بالإرهاق.

وتنتقل الجراثيم المسببة للزكام عبر الرذاذ الناتج عن العطس أو السعال، وأيضا عبر الاتصال بالافرازات الأنفية أو لعاب المصاب. علما أن الفترة التي يحتاجها المرض للظهور قد تتراوح بين يومين إلى 5 أيام.

الغالبية الساحقة من حالات الزكام لا تحتاج إلى أي دواء، أو تحتاج ربما لمضاد للحمى والألم وللراحة، حيث تختفي الأعراض بعد 4 أيام على أبعد تقدير بالنسبة للحمى إلى 10 أيام بالنسبة للسعال.

تصبح أعراض الزكام أكثر جدية في حالة ظهور إحدى المضاعفات، وهي التهاب الأذن الوسطى أو الخارجية واللوزتين، وأيضا التهاب الملتحمة والجيوب الأنفية، الشائعة خصوصا عند الأطفال وكبيري السن والحوامل والأشخاص الذين يعانون من مرض مزمن.

الأنفلونزا الموسمية: لا يجب الاستهانة بها

تعرف الإنفلونزا أيضا بالخنان أو النزلة الوافدة؛ ونطلق عليها بالدارجة المنزلة أو لاكريب. وقد تتفق أو تختلف عن الزكام على عدة أوجه:

  • الفيروسات المسببة للمرض مختلفة، وهي في حالة الخنان من فئة الفيروسات المخاطية القويمة (أورتوميكسوفيريدا)، وتتميز بتنوعها وقدرتها على التحول، مما يجعلها صعبة العلاج، كما أن هذا الأمر يجبر المختبرات على تغيير تركيبة لقاح الانفلونزا كل سنة.
  • العدوى تكون أكثر عبر التنفس وأقل عبر الاتصال غير المباشر بالافرازات.
  • الفترة بين العدوى وظهور أولى علامات المرض لا تتجاوز 24 إلى 48 ساعة.
  • الأعراض تكون أكثر حدة وظهورها أسرع كارتفاع درجة الحرارة الذي يفوق 38.5 وقد يصل إلى 40 درجة، مع صداع وتعب شديدين وآلام منتشرة خصوصا على مستوى الظهر. أما السعال فهو أشد مقارنة مع الزكام ويكون جافا بداية.
  • مقابل ذلك، يكون العطاس وسيلان أو انغلاق الأنف والتهاب الحلق أقل حضورا مقارنة بالزكام.
  • أغلب حالات الخنان تشفى دون مشاكل، لكن قد تظهر مضاعفات عند الكثير من المصابين، خصوصا أولئك الذين سبق ذكرهم خلال الحديث عن مضاعفات الزكام، ومن أهمها الالتهاب الشعبي وخاصة الرئوي، بالإضافة إلى التهاب الأذن الوسطى، وقد يصل الأمر إلى التهاب الجنبة (الماء في الرئة) والفشل الرئوي أو القلبي، كما حدث مع السلالة H5N1.
  • العلاج الاعتيادي يعتمد على الراحة وشرب السوائل الساخنة واستعمال مضادات الحمى والسعال والألم وفيتامين س. أما المضادات الحيوية فلا توصف إلا في حالة ظهور علامات تعفنية مرتبطة بإصابة باكتيرية.

الالتهابات الشعبية الحادة: قريبة الانفلونزا

يتعلق الأمر في هذه الحالة بالتهاب حاد للقصبات الهوائية السليمة انطلاقا من الرغامى، مرورا بالقصبات الهوائية التي تنقسم إلى قصبات أصغر فأصغر حتى نصل إلى القصيبات الهوائية.

وبالتالي فنحن أصبحنا نتكلم هنا عن التهاب على مستوى الجهاز التنفسي السفلي، وليس العلوي كما في الحالتين السابقتين.

العدوى تتم على منوال الخنان، كما أن المتسبب هو فيروس في 50 إلى 90 في المئة من الحالات، وأول الأنواع هو فيروس الإنفلونزا نفسه. لذلك فغالبا ما تأتي الالتهابات الشعبية كمضاعفات لخنان لم يعالج بطريقة صحيحة أو عند المصابين ذوي الحالة الصحية المعتلة. يمكن أيضا أن تتسبب باكتيريا في الإصابة بالمرض.

الأمر لا يتوقف على ذلك، حيث إن الأعراض تشبه إلى حد بعيد أعراض الإنفلونزا؛ لكن غالبا ما تكون الحرارة غير مرتفعة كثيرا، كما أن السعال يغلب على ما يتبقى من الأعراض رغم أنه لا يبقى جافا مدة طويلة. المصاب بالتهاب شعبي حاد غالبا ما يعاني أيضا من حرقة صدرية؛ لكن يبقى الفحص السريري فاصلا في تحديد نوع وحدة المرض.

علاج الحالات الاعتيادية عند الأشخاص الذين لا يعانون من أي مشكل صحي لا يختلف عن علاج الخنان، حيث تختفي العلامات المرضية بعد أيام قليلة، وقد يستمر السعال إلى 10 أيام أو أكثر في بعض الحالات.

الالتهابات الرئوية الحادة: أكثر ندرة لكنها أخطر بكثير

وتعرف أيضا بذات الرئة، حيث تلتهب الأسناخ الرئوية – وهي نهايات القصيبات الرئوية والمكان الذي يحدث فيه تبادل الغازات مع الدم – وتمتلئ بالسوائل مما يتسبب في اختناقها. ويصبح الخطر داهما إذا كان الالتهاب منتشرا كما هو واقع أغلب حالات الالتهابات الرئوية الحادة الناتجة عن إصابات بكتيرية، وعلى رأسها المكورات الرئوية pneumocoque.

أعراض الإصابة الرئوية التي تشير إلى هذا النوع من الباكتيريا وزميلاتها تتمثل في ارتفاع ثابت لدرجة الحرارة مع ظهور ضيق في التنفس، وتسارع لنبضات القلب ولحركات التنفس، وألم في الصدر خصوصا عند التنفس بعمق أو السعال الذي ينتج سريعا بلغما (التنخيمة) أصفرا أو أخضرا. أما الحالة العامة للمريض فهي متدهورة على العموم.

في حالة الإصابة بأنواع أخرى من الباكتيريا أو الفيروسات قد تكون الحالة أكثر استقرارا أو تشبه إلى حد ما الالتهابات الشعبية.

تشخيص الالتهاب الرئوي الحاد يعتمد على الفحص السريري للمريض وعلى الصور الاشعاعية. ويجب أن يكون سريعا لتفادي المضاعفات التي قد تكون مميتة، حيث تصل نسبة الوفيات من 5 إلى 20 في المائة من الحالات.

استفحال الانسداد الرئوي المزمن: الوقاية أحسن من العلاج

هنا نتكلم حصرا عن الاصابة الجرثومية (باكتيريا أو فيروسات) للجهاز التنفسي عند مرضى يعانون أصلا من قصور في التنفس نتيجة الإصابة بحالات خاصة من الربو أو الالتهاب الشعبي الانسدادي المزمن أو بما يعرف بانتفاخ الرئة، وتلك أمراض مرتبطة أساسا بالإدمان على التدخين.

هؤلاء المرضى يعانون من سعال مزمن مع إفرازات بلغمية شبه يومية، مدة شهرين في السنة على الأقل خلال سنتين متواصلتين. لتأتي “نزلة البرد” فتضاعف من معاناتهم، مع ظهور الحمى وبقية علامات العدوى وخصوصا ضيق التنفس والازرقاق مع خطر الموت اختناقا أو بسبب أزمة قلبية إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات الاستعجالية لتفادي الكارثة، وأولها العلاج بالأوكسجين وباقي أدوات توسيع القصبات الهوائية، قبل التفكير في إيجاد المتسبب في استفحال المرض المزمن وعلاجه تحت مراقبة طبية دقيقة.

متى يجب استشارة الطبيب؟

كما لاحظتم فالأعراض تتشابه والخطورة تتغير بين نزلات البرد المختلفة، بل وفي نفس المرض بحسب عوامل متعددة ومتداخلة. لهذا، ننصح المرضى الذين تنطبق عليهم الحالات التالية باستشارة الطبيب حتى يتم تجنب الأسوء:

  • إذا استمر ارتفاع درجة الحرارة فوق معدل 38.5 درجة بعد 4 أيام من ظهورها.
  • إذا استمر التهاب الحلق مع صعوبة في البلع أكثر من يومين.
  • إذا استمر سيلان الأنف أكثر من أسبوع مع تحول لون الإفرازات إلى الأخضر أو الأصفر، وآلام في الوجه وصداع شديد.
  • إذا كان المريض يتنخم الكثير من البلغم الأخضر أو الأصفر أو الدم في أثناء السعال.
  • إذا كان هناك ضيق في التنفس أو أصوات صفير أو خرخرة داخل الصدر.
  • إذا كان السعال مصاحبا لآلام شديدة في الصدر أو الظهر أو انتفاخ في الساقين أو في البطن.
  • إذا كان المريض رضيعا أو شخصا مسنا أو يعاني من أمراض مزمنة خصوصا أمراض الرئة والقلب والشرايين والكبد والكلي.
  • إذا لم يجدي علاج نزلات البرد الاعتيادي أو تفاقمت الحالة الصحية للمريض.