من أكثر الأفكار الصحية المترسخة في مخيلة المرأة العربية خصوصا – و ربما أيضا باقي النساء في العالم – فكرة أن الحمل و الرضاعة لا يجتمعان: بمعنى أن المرأة المرضعة، بمجرد حملها من جديد، فقد حكمت – مجبرة لا مخيرة – على طفلها الرضيع بوقف الرضاعة، فما صحة هذا الاعتقاد؟

المحتويات

هل يجتمع الحمل مع الرضاعة؟

شخصيا لا أدري متى وكيف بدأت أسطورة أو خرافة ما يعرف في الثقافة الشعبية ب”الغيال” أو “الغيلة”، أي قدرة حليب المرأة الحامل على إصابة الرضيع بأمراض كثيرة مستعصية، وجعله يتوقف عن النمو، بل وحتى تسميمه.

بل هناك من يقول بوجود حديث نبوي في الأمر، وهذا غير صحيح. كل هذا يجعل المرأة تُقهر قهرا على فطام رضيعها بسبب قوة الخرافة وضغط الأقارب، حتى أنه لا ينفع مع ذلك لا نفي ولا توضيح من طبيب، حتى وإن كانت المرأة متعلمة.

لقد تناولت العديد من الدراسات الأكاديمية حول العالم موضوع الرضاعة أثناء الحمل بما يستحقه من جدية ومن أمانة علمية وأثبتت جميعها أنه – في أغلب الحالات – لا خوف تماما من إرضاع طفلكِ وأنتِ حامل، مهما كان عمر جنينك أو رضيعك: حيث لم يثبت وفق تلك الدراسات أن ذلك قد يسبب أضرار للمرأة أو الجنين أو الرضيع. وبالتالي يصبح التوقف عن الإرضاع في تلك الظروف مسألة شخصية وأيضا متدرجة، وليس أمرا حتميا وفجائيًا.

لماذا يُسمح بالاستمرار في إرضاع طفلك؟

يتم إنتاج الحليب عند الأم المرضعة تحت تأثير هرمون يدعى الأسيتوسين، نفس المادة تؤدي إلى ظهور المخاض عند الحوامل، لدى فمن المفهوم أن تتخوف المرضعات الحوامل من إمكانية حدوث إجهاض تحت تأثير هذه الهرمونات. إلا أن الدراسات أثبتت أن الأوسيتوسين لا يؤثر في رحم المرأة الحامل قبل 38 أسبوعا من الحمل، كما أن الكمية التي يتم إفرازها لا تصل إلى الحد الذي يؤدي إلى تهيج الرحم وبالتالي ظهور المخاض.

ورغم أن التغييرات الهرمونية التي تعرفها المرأة الحامل تغير تدريجيا من مكونات حليب الأم حيث يبدأ الكولوستروم (اللبأ) يغلب على مكوناته، كما أن كمية الحليب تقل ومذاقه يتغير، لكن هذا لا يجعل منه مضرا أو خطرا على الرضيع الذي من المحتمل أن يختار بنفسه التوقف عن الرضاعة، كما أن البعض الآخر لا يجد غضاضة في الاستمرار (مسألة شخصية).

ما هي الحالات التي يجب أخذ الحذر فيها؟

هناك حالات قليلة جدا، يجب أخذ الحذر فيها عند إرضاع طفلك وأنتِ حامل: مثلا بالنسبة للحوامل اللواتي لا يستفدن من تغذية متوازنة ومتنوعة، أو لديهن تاريخ مرضي يخص الولادة المبكرة أو خطر الإجهاض، أو يزعجهن انتفاخ ثديهن أو الألم الذي قد يرافقه في المراحل المتقدمة من الحمل.

خلاف ذلك، فليستمرن في إرضاع أطفالهن، و لا يأبهن بكل تلك الخزعبلات التي يتفنن مجتمعنا في اختلاقها و التي لا أساس لها من الصحة.