من آيات الله العظيمة التي كشف عنها العلم مؤخرا في مجال خلق الإنسان، اكتشاف خبايا الخلايا البشرية وخارطة الإنسان الجينية ، بالإضافة إلى تشخيص بعض الأمراض الوراثية التي أثقلت كاهل البشرية جمعاء. وبذلك قد فتحت آفاق جديدة وانتصارات عظيمة على كثير مما يعانيه الإنسان ، حيث أمكن التعرف على كثير من أمراض الجينات و الطفرات الوراثية، إضافة إلى السعي نحو علاج جديد و هو العلاج الجيني عن طريق إصلاح عمل المورثات غير الفعالة، أو استئصال الجين المسبب للمرض وتغييره بجين سليم.
العلاج الجيني
العلاج الجيني (Thérapie génique) هو عملية إصلاح العطب في الجينات أو استئصال الجين المسبب للمرض واستبداله بجين سليم. و يعتبر من أحدث التقنيات المستعملة في الميدان الطبي، لمعالجة مجموعة من الأمراض الخاصة بالمورثات الناتجة عن طفرات أو أمراض وراثية. و ترجع أول تجربة لاستخدام هذا العلاج إلى 1970 حيث حاول العلماء تعويض غياب إنزيم لدى مريض بآخر فيروسي بالإضافة إلى محاولة علاج التلاسيميا عام 1980. وتزايدت وتيرة المحاولات عام 1990 عندما قام الطبيبان فرنش أندرسون ومايكل بلاز بمحاولة علاج طفلة مصابة بمرض عوز المناعة بإدخال المورثة المختصة بتقوية جهاز المناعة في جسم المريضة. و قد لاقت التجربة نجاحا جزئيا حيث استطاع العلاج تقوية الجهاز المناعي للطفلة بنسبة 40 %. هذا العلاج يستهدف بالأساس الخلايا الجسدية والخلايا الجنسية بحيث يجب أن لا يتسبب في أي ضرر للمريض تفاديا لحصول طفرة وراثية جديدة من خلال تعطيل المورثة الفعالة وإعطاء مورثة ورمية أو عمل المورثات في خلايا أخرى غير المستهدفة. و من أكبر التحديات التي تواجه هذا العلاج، النجاح في إيصال الجين السليم إلى الأنسجة المطلوبة تفاديا لحصول مضاعفات جانبية خاصة الجنسية منها. و كمثال على التسبب في أمراض جديدة نذكر ما حدث عام 2000 حيث تم علاج 10 أطفال بواسطة ناقل فيروسي وتم شفاء 7 منهم، في حين أصيب الآخرون بسرطان الدم بسبب دمج الحمض النووي للجين السليم في مكان خاطئ نجم عنه تشغيل جين مسبب للسرطان. و قد أوضح الباحثون أن ثبوت صحة هذه النتائج في المزيد من الأبحاث والتجارب، سيمنح العلاج الجديد مصداقية أكبر، كطريقة معالجة أكثر فعالية من العلاجات الحديثة.
و لا ننسى تصحيح الخطأ الشائع القائل بأن العلاج الجيني و الاستنساخ ما هما إلا تقنية واحدة, صحيح أن كلاهما من تقنيات الهندسة الوراثية إلا أنهما يختلفان في المبدأ. فالاستنساخ يهدف إلى تكوين كائن حي متكامل و مطابق من حيث الخصائص الوراثية و الفسيولوجية و الشكلية لكائن حي أخر, بخلاف العلاج الجيني الذي يختص بالأمراض و التشوهات بهدف تصحيحها و التخلص منها. بحيث يمكننا القول أن العلاج الجيني عبارة عن استنساخ جزئي للجينات.
و العلاج الجيني إما يكون داخل جسم الإنسان حيث يتم إيصال الجين إلى النسيج المستهدف عن طريق ناقل خاص يحدده نوع المرض و مكانه، و إما يكون خارج جسم الإنسان حيث تستخرج الخلايا المستهدفة من جسم المريض لتنمّى في مزارع خلوية قبل أن تتم عملية إضافة الجين.
تبرز أهمية العلاج الجيني في استخداماته الحالية أو فيما يتوقعه العلماء و الأطباء مستقبلا، فهو يستخدم في علاج عدد كبير من الأمراض (الوراثية،النفسية، المعدية و المناعية) كما أن له الدور الفعال في إزالة التشوهات الناتجة عن تعبير غير طبيعي للجين و كذالك المساعدة على الوقاية من الأمراض بالاطلاع على الخارطة الجينية للفرد، فان تبين أنه سيصاب بمرض وراثي ما يمكن إجراء العلاج الجيني اللازم لوقايته. ومن أهم مخاطر هذا العلاج (كما سبق و ذكرنا) دمج الجين الجيد في المكان الخطأ مما يؤدي إلى تنشيط جين مريض خامل أو إيقاف عمل جين سليم مما يسبب حدوث أمراض خطيرة، بالإضافة إلى خطورة استخدام الفيروسات كنواقل للجينات الجديدة وما يمكن أن يترتب عليها من ضرر. لذلك لابد من أن تجرى عمليات العلاج الجيني بواسطة متخصصين بأعلى مستوى من الخبرة و بأفضل الإمكانيات اللازمة.
لو تناولنا موضوع العلاج الجيني بمنظور ديني و أخلاقي، نجد اتفاق الفقهاء على أمر واحد ألا و هو جواز هذا العلاج ضمن ضوابط يصادق عليها من قبل الجهات المعنية وألا يكون في طور التجريب، و أن لا يخرج عن هدفه، بالعبث في جسم الإنسان أو التغيير في خلق الله.
و من خلال نتائج التجارب و الأبحاث التي كانت و لازالت مستمرة حتى الآن، نجد أن للعلاج الجيني مستقبل زاهر وأن الطب الحديث يمكنه أن يستفيد منه لعلاج أمراض واسعة الانتشار طالما حيرت العلماء و الأطباء عبر العالم، مثل السرطان، الايدز والأمراض العصبية مثل داء باركنسون ومرض الزهايمر، إضافة إلى معالجة الأجنة قبل ولادتها، وتشخيص الأمراض الوراثية قبل الزواج.