سبع حيل لتجعل القراءة فنّا ممتعا. علّمتنا تفاصيلهم أن القراءة فعل مختزل في طقوس من نسج واقعهم وأذواقهم وثقافاتهم، فكنّا بارعين في التقليد… كتاب مع قهوة…كتاب وموسيقى كلاسيكية… كتاب و كوب شوكولا ساخنة… والاهم سلفي مع الكتاب قبل قراءته وآخر بعد الفراغ منه.

فقد غدت القراءة فعلا استعراضيا مجردا بنزعة انقيادية وتقليدية لا تتعدى حدود السخف… لكي تحافظ على البعد الفني والحيوي لقراءتك وتنتشلها من فعل مجرد نحو فن ممتع ذو فاعلية إليك سبع حيل:

المحتويات

حيل لتجعل القراءة ممتعة

أولا: القراءة هي الاقتراب من شئ على قيد الصيرورة (إيتالو كالفين)

نحن نعيد ترتيب أنفسنا إذ نقرأ، نحن نعيد خلق الواقع بل والكتاب الذي بين أيدينا. القليلون يؤمنون بأن الكتاب يولد على يد كاتبه مرّة وعلى يد قارئه ألف مرة… كن منهم.

ثانيا: القراءة فعل ذاتي

إذا كان هناك كتاب في الوجود يستحق منك أن تقرأه، فهو الكتاب الذي تتوسم أن تجد معه إجابات لأسئلتك، ضع قاعدة الأولويات جانبا حينما يتعلق الأمر بالقراءة، ستحتار في الاختيار بين الأكثر متعة و الأكثر فائدة، اتبع جوعك المعرفي و لا تبتئس، ستقودك أسئلتك الأكثر إفادة في مرحلة ما،حتما… أسئلتك تتطور بتطور فكرك، وإن كان أرسطو قال تكلم لكي أراك، أقول “اسألني لكي أراك”، جميل ان تعرف المرتع الفكري لمن تخاطب، إلى أي حد يمكن ان يصل بأفكاره.

أن تكون قارئا، يعني أن لا تحتاج لمن يدلك على طريقة تقرأ بها، كعدم احتياجك لمن يعلّمك كيف تخلد الى النوم، ابتعد عن العناوين البارزة والتوجيهات الصارمة التي تقرر بدلا منك، اقرأ بحب و كن قارئا حرا غير منقاد إلا لجوعه المعرفي.

ثالثا: القراءة فعل ينبع من الداخل الى الخارج و ليس العكس

نحن نقرأ أنفسنا في الكتب، لنتقرب إلينا أكثر، لا نقرأ الكتب لنغدوا أبعد عنا أقرب إلى الآخرين، ولنقتني أفكار معلبة وعقول مستوردة تفكر بدلا منا. إياك أن تضيع ملامحك في خضم محافل الكلمات تلك أو أن تلغي ذاتك تسليما وانقيادا وتذكر…اقرأ، لكن حافظ على فرديتك.

رابعا: القراءة فن…

القراءة لا تقتصر على الكلمات فقط بل على الكون، البشر، والمعنى أيضا، نحن نقرأ إذ نحسن الإصغاء… نحن نقرأ إذ نتأمل، كل ما يمكنه أن يعمل عقلك من خلال معطيات معينة، فهو قابل للقراءة، أن تكون قارئا فنّانا، يعني أن تجيد قراءة كل ما و من حولك و لايأتى ذلك إلا بالممارسة، وديمومة الوعي واليقظة.

خامسا: لا تنس خاصية الفلترة

في مغامراتك كقارئ ستواجه الكثير من الغرابة، لا تستتفه كل ما لا يقبله عقلك، ولا تنبهر به أيضا، حافظ على عقلك الناقد، يقول عدنان الصايغ

إن كنت تصدق كل ما تقرأ فلا تقرأ

عدنان الصايغ

اكسر أصنامهم بداخلك، أبعد عن عينيك عدسة الانبهار المكبرة وكن دائما بمثابة التلميذ المتلقي والأستاذ الممحص في آن واحد.

سادسا: كن منتجا

لعلك تعلم أن جل الروائيين والمفكرين كانوا قراء ماهرين، وأن أغلب هطلهم كان بعد الفراغ من كتاب أو أثناء انهماكهم في قراءته، إقرا “طقوس الروائيين”، الكلمات أيا كان مدلولها بنزين فكري، وأنت لا تريد أن تضيّع تجليّات اللحظة حين تتضاعف نسبة خراجك الفكري ويبلغ بك الخيال العنفوان، احمل قلما كلما بدا لك أن تقرأ ولا تحقرن من أفكارك شيئا، الأمر الخطير بشأن الأفكار، أنّها قابلة للتطور بشكل مذهل!

سابعا: اقترب من الحقيقة

ولأن هذه الأخيرة هي الأهم سأترك المجال لسقراط ليشرحها لك بقصة له وردت في كتاب “تاريخ القراءة” الذي قد ترغب أن تلقي عليه نظرة.

زار الإله المصري ثوث، مخترع النرد والشطرنج والأرقام و علم الهندسة وعلم الفلك والكتابة الملكَ المصري، و قدم له اختراعاته ليقدمها بدوره للشعب، قام الملك بمناقشة منافع و مضار كل واحدة من هذه العطايا الإلهية إلى أن وصل ثوث إلى الكتابة و قال “إن هذا فرع من التعلم سيحسن ذاكرة شعبك، إن اختراعي وصفة تخدم الذاكرة والحكمة”. إلّا أن الملك قال “عندما يحصل الناس على هذه المقدرات، ستزرع النسيان في قلوبهم وسيتوقفون عن تدريب عقولهم وذاكرتهم، لأنّهم سيعتمدون على الأشياء المكتوبة. إنّ ما اخترعته ليس وصفة للذاكرة بقدر ما هو وصفة للتذكر، ليس وصفة للفكر بقدر ما هو وصفة للتفكير، لذا فإن ما تقدمه لتلاميذك ليس الحقيقة الناصعة إنما أحد مظاهرها، إذ أنك عندما تحدّثهم عن الكثير من الأمور دون أن تعلّمهم في الواقع أي شيئ فإنك ستوقظ بداخلهم الانطباع بأنهم يعرفون الكثير، في حين أنهم لا يعرفون أي شيئ على أحسن حال، ونظرا إلى أنهم سيتشبعون بالتصورات لا بالحقيقة فإنّهم سيصبحون عبئا على غيرهم من الناس.

“عقّب سقراط على قصته قائلا” إنّ القارئ يكون ساذجا حين يظن أن الكلمات المكتوبة لا يمكنها سوى أن تشحنه بالمعلومات”.

ليكن غرضك من القراءة اكتساب قريحة مستقلّة، وفكر واسع، وملكة تقوى على الابتكار، فكل كتاب يرمي إلى إحدى هذه الثلاث فاقرأه.

مصطفى صادق الرافعي